العفو مامول 

 1 - امست سعاد بارض لا يبلغها    الا العتاق النجيبات المراسيل 

2 - و لن يبلغها الا عذافرة             فيها علي الابن ارفال و تبغيل 

3 - يسعي الوشاة بجنبيها و قولهم    انك يا بن ابي سلمي لمقتول 

4 - و قال كل خليل كنت امله         لا الفينك اني عنك مشغول 

5 - فقلت خلوا سبيلي لا ابالكم         فكل ما قدر الرحمن مفعول 

6 - كل ابن انثي و ان طلت سلامته  يوما علي الة حدباء محمول 

7 - انبئت ان رسول الله اوعدني     و العفو عند رسول الله مامول 

8 - مهلا هداك الذي اعطاك نافلة ال قران فيها مواعيظ و تفصيل 

9 - لا تاخذني باقول الوشاة و لم    اذنب و لو كثرت عني الاقاويل 

10 - ان الرسول لنور يستضاء به  مهند من سيوف الله مسلول 

اولا بيئة النص

ينتمي هذا النص الي عصر صدر الاسلام و هو يؤكد ذلك الصراع الذي حدث بين الشاعر من ناحية و بين الرسول و الاسلام من ناحية اخري حيث استطاع كعب بهذه القصيدة ان ينجو من موت محقق بعد ان اساء الي الدين الجديد. 

ثانيا الشرح 

يؤكد الشاعر بعد سعاد عنه بعدا مكانيا و نفسيا فقد اسمت الارض لا تصل اليها الا النوق النجائب القوية السريعة و ستصاب هذه الناقة بالاعياء و التعب لطول الطريق و مشقه السفر ثم ينتقل كعب الي تصوير حاله مع الوشاة الذين اوقعو به و مع الاخلاء الذين انفضوا من حوله و قد اخبره الوشاة انه مقتول لا محالة فالاخلاء الذين كان يؤمل فيهم النصرة و التاييد انفضوا من حوله 

ثم يفيق كعب و يعود الي رشدة و يبتعد عن هؤلاء مستسلما لقدر الله فكل انسان مهما طال عمره فانه سيموت و هنا يبدو ايمان كعب بالقضاء المحتوم اما يقينه الذي لا يخالطه شك فهو عفو الرسول عنه بعد ان اهدر دمه فعفو الرسول اوسع من ذنوبه و خطاياه فهو رحمة للعالمين انتقل كعب بعد ذلك الي مدح الرسول و شمل جميع ابواب الخير و لذلك التمس اليه الا يعاقبه بما قاله الكذابون الذين يريدون الوقيعة فالرسول هو النور الذي يضئ ظلمات الدنيا و هو السيف البتار الذي يقضي علي كل الوان الشرك. 

ثالثا التذوق 

1 - لمحة بلاغية الاستعارة المكينة 

سبق ان قسمنا البلاغة الي ثلاثة علوم هي البديع و المعاني و البيان و كان لكل علم اقسامه و درسنا من اقسام علم البيان التشبيه و اما القسم الثاني فهو الاستعارة المكينة و اليك بعض الامثلة التي توضح اللون من المجاز. 

ا- قال المتنبي 

و لما قلت الابل امتطينا     الي ابن ابي سليمان الخطوبا.

ب - قال تعالي رب اني وهن العظم مني و اشتعل الراس شيبا 

ج - قال دعيل الخزاعي 

لا تعجبني يا سلم من رجل    ضحك المشيب براسه فيكي. 

د - قال الحجاج بن يوسف الثقفي 

اني لاري رءوسا قد اينعت وحان قطافها و اني لصاحبها. 

التوضيح 

تامل الامثلة تجد في كل منهما مجازا اي كلمة استعملت في غير معناها الحقيقي لعلاقة المشابهة ففي 1 يقول الشاعر امتطينا الخطوبا فالخطوب لا تركب و انما تركب الابل و لكن الشاعر حينما اراد ان يصل الي الممدوح و كان الامر صعبا امتطي المصاعب التي تشبه الابل لكي يصل اليه و هو هنا قد حذف المشبه به و دل عليه بشئ من لوازمه و هو امتطينا و كانه استعار الخطوب للامتطاء من معناها الاصلي و هو المصاعب.  

اما في المثال ب فنجد التصوير في غاية الروعة و الجمال فقد شبه الراس بالوقود و حذف المشبه به النار و رمز اليه بشئ من لوازمه و هو اشتعل و الاستعارة مكينة اي انه مني بلفظة اشتعل عن النار و الغرض من ذلك ان يدلل علي عجزة و كبر سنه امام محبوبته سلمي لم يقل ذلك صراحة و لكنه استخدم الاسلوب الاستعاري فاستعار لفظة المشيب من معناها الاصلي و هو الدلالة علي كبر السن و بياض الشعر و استخدمها في سياق اخر و هو الضحك الضي كان من نتيجته بكاء الشاعر علي حاله و جمال ذلك التعبير في التخصيص و التوضيح.

 

و في  نجد قول الحجاج يهدد الرعية اني اري رءوسا قد اينعت و حان قطافها و يفهم منه انه يشبه الرءوس بالثمرات فاستعارالايناع من الثمر للرءوس و حضف المشبه به الثمار متخيلا الرءوس في صورة الثمار و دل عليها ب اينعت و احتجاب المشبه به يدلنا علي ان الاستعارة مكينة وجمالها في توضيح فكرة المتحدث. 

رابعا سمات اسلوب الشاعر 

- غرابة بعض الالفاظ مع جودة الوصف.  

- تنوع اساليب بين الخبر و الانشاء لتحريك الذهن و تشويق السامع و القاري. 

- قلة الصور الخيالية و ذلك لان الموقف فيه رهبة و يحتاج الي اقناع. 

- قلة المحسنات البديعية. 

- وضوح الموسيقي في الوزن و القافية و اختيار بحر البسيط. 

خامسا ملامح شخصية الشاعر 

- مؤمن قوي الشعور بعظمة رسول الاسلام. 

- ذو موهبة متميزة. 

سادسا اثر البيئة في النص  

- البدء بالغزل تاثرا بالجاهلين فقد عاصر الشاعر الجاهلية و الاسلام. 

- الصور منتزعة من البيئة مثل استخدام المهند و وصف الناقة. 

عصر صدر الاسلام 

اذا كانت البيئة العربية قد عرفت بالقسوة و الشدة فان اهلها - الا قليلا منهم - كانوا غلاظا شدادا حتى ظهر الاسلام فيها فتبدلت تلك الصفات عند كثير منهم الى اللين و الرفق و الرحمة كان الاسلام و لا يزال هو الشريعة التي غيرت شكل الحياة العربية من الظلم الى العدل و من فساد الاخلاق الى الايمان بالواحد الرازق و يقوم هذا الدين على ركنين اساسين هما العقيدة و العمل لقد استطاع الاسلام متمثلا في القران الكريم و السنة النبوية ان يوحد الامة العربية تحت لواء الاسلام و زعيم الرسول و دستور هو القران و يقضي على الوثنية الجاهلية بكل اشكالها فارتقى بعقل الانسان و دعا العرب الى الاخوة و التوحد تجمعهم رابطة الدين بعد ان كانوا يعيشون قبائل متفرقة لا يعرفون فكرة الامة انما يعرفون فكرة القبيلة و النسب و تجمعهم العصيبة.

 

لقد ارسى الاسلام دعائم هذه الامة لتكون امة مثالية يدعو افرادها الى الخير و يتعاونون على البر و التقوى لا على الاثم و العدوان 

و بعد ان استقر الدين الجديد و توحدت كلمة العرب على الاسلام بدا العرب يتجهون خارج حدود تلك البيئة الى البلدان المجاورة مثل مصر و العراق و بلاد فارس و شمال افريقيا و استطاع العرب بهذه الفتوح ان ينقلوا الى الامم الاخرى لغتهم و دينهم و ادابهم حتى اصبحت اللغة العربية هي السائدة في كثير من تلك البلدان و دخل اهل تلك البلدان في الدين و نبغوا في اللغة العربية و الفقه و العلم 

و لا بدع ان يسير الادب في ركاب تلك الحضارة الجديدة فكان الشعراء يدافعون عن الدين بمدح رجاله متاثرين باسلوب القران العذب و بيانه الرصين و ببلاغة الرسول و فصاحته التي كانت نموذجا وحدها.

و تغيرت لغة الشعر و معانيه و اخليته و اساليبه و اغراضه على النحو التالي.

1- تهذيب الفاظ اللغة بمحاكاة الفاظ القران و السنة و مجانبة حوشى الالفاظ. 

2- التوسع في دلالة الالفاظ باخراجها معنى الى معنى بينه و بين الاول مناسبة و استعملت الفاظ كالصيام و الزكاة و الصلاة و المؤمن و الكافر. 

3- التانق في استخدام الاساليب و التفنن في انواعها. 

4- دخول اغراض جديدة على الشعر مثل شعر الفتوح و المغازي الذي فرضته دراعي الجهاد في سبيل الله و فتح البلدان و دخول اهلها في الاسلام.