اداب صناعه الكتاب
اما بعد حفظكم الله يا اهل صناعه الكتاب فليس احد من اهل الصناعات كلها احوج الى اجتماع خلال الخير المحمود وخصال الفضل المذكورة المعدودة منكم ايها الكتاب اذا كنتم على ما ياتي في هذا الكتاب من صفتكم فان الكاتب يحتاج من نفسه ويحتاج منه صاحبه الذي يثق به في مهمات اموره ان يكون حليما في موضع الحلم فهيما في موضع الحكم مقداما في موضع الاقدام محجما في موضع الاحجام مؤثرا العفاف والعدل والانصاف كتوما للاسرار.
وفيا عند الشدائد عالما بما ياتي من النوازل يضع الامور مواضعها و الطوارق في اماكنها قد نظر في كل فن من فنون العلم فاحكمه وان لم يحكمه اخذ منه بمقدار ما يكتفي به يعرف بغريزة عقله وحسن ادبه وفضل تجربته ما يرد عليه قبل وروده وعاقبة ما يصدر عنه قبل صدوره فيعد لكل امر عدته وعتاده و يهيئ لكل وجه هيئته وعادته واروا الاشعار واعرفوا غريبها و معانيها وايام العرب والعجم واحاديثها و سيرها فان ذلك معين لكم علي ما تسموا اليه هممكم ونزهوا معشر الكتاب صناعتكم عن الدنائة و ارينوا بانفسكم عن السعاية و النميمه و ما فيه اهل الجهالات فان العيب اليكم معشر الكتاب اسرع منه الى الفقراء وهو افسد منه لهم والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته.
اولا بيئة النص
ينتمي هذا النص الى العصر الاموي و ينتمي الى فن الكتابة الديوانية التي وضحت معالمها في العصر الاموي ويطللق عليها الرسائل الديوانية وظهر هذا اللون من الكتابة حين ثقلت اعباء الدولة علي الخلفاء وراوا ان يسندوا الكتابة في تعريف شئون الدولة الى طبقة من الكتاب المحترفين الذين عرفوا اصول الكتابة و تناقلها بعضهم عن بعض وقد انتشرت الكتابة في صدر الاسلام حين دون عمر بن الخطاب الدواوين حينما احس بحاجته الى تسجيل الناس واعطياتهم وظلت الكتابة تنمو وتتقدم حتى ارتقت وارتفع شائنها كثيرا في العصر الاموي نتيجة اتساع شئون الدولة و تعدد الدواوين وحاجة الخلفاء الى مكانة الولاه والقادة و تميزت حينذاك بالايجاز والقصد الى الفكرة من اقرب طريق والتعبير عنها في غير تانق او تكلف كما تلمس سهولة اللفظ ووضوح المعنى والبعد عن الغريب وعن المبالغة في التفخيم والاقتباس من معاني القران وعباراته و صوره وظهر الطابع الاسلامي واضحا في حرص الكتاب علي افتتاح رسائلهم بذكر اسم الله و حمده والصلاة والسلام علي نبيه و ختامها بتحية السلام.
ثانيا الشرح
في هذه الرسالة يبين عبد الحميد مكانة الكتاب وما يجب ان يتحلوا به من خصال طيبة تجلب لهم الرفعة والفضل من حسن التصرف و الحلم و الشجاعه و الحرص على العدل و الانصاف و كتم الاسرار و الوفاء و الفطنة و سعة العلم و كثرة الاطلاع و وضع الامور في نصابها و المعرفة بالاشعار و ايام العرب و سيرهم و ينصحهم بتجنب كل ما ينزل من مكانتهم من الوشاية والنميمة و اجتناب اهل الجهل فان العيب اليهم اسرع منه الى القراء واكثر افسادا لهم منهم فالكاتب ابرز للكتاب والوسائل التي بها يصبحون اهلا لصناعة الكتابة و ابان لهم النقائض التي يجب ان يترفعوا عنها لتظل مكانتهم سابقة بين الناس فالرسالة تعد دستورا دقيقا لوظيفة الكاتب وما عليه من واجبات وما ينبغي ان يحسنه من ضروب العلم والثقافة تشعر عند قراءة هذه الرسائل باعتزاز عبد الحميد بصناعة الكتابة و اخلاصه في الدعوة اليها و السمو بها عن كل ما يشوه صفائها او يغض من قدرها كما تحس فيه العقل والثاني في النصح و تحلية الكلام بالحكمه و بالصور البلاغية في غير اسراف مع الحاجه في تقرير فكرته واناقته في اختيار اللفظ و تصفية العبارة و التوزيع النغمي للجمل المترادفه.
ثالثا من جماليات النص
الموسيقى /ان يكون حليما في موضع الحلم و فهيما في موضع الحكم / - / يضع الامور في مواضعها و الطوارق في اماكنها / - لاحظ في نهاية الجمل - / الحلم - الحكم / مواضعها - اماكنها / تجد انها تحدث حرسا موسيقيا تسريح له الاذن و تطرب له النفس.
رابعا سمات اسلوب الكاتب
اتسم اسلوب عبد الحميد الكاتب بما يلي الفاظه منتخبه وليس فيها توغل و لا غريب و لا وحشي و معانيه غزيرة مرتبة ليس فيها غموض و لا خفاء اول من عني عناية فائقة بترتيب الافكار وتسلسلها في دقة و نظام فهو يقسم الرساله اقساما متناسبة ويحلل كل قسم منها تحليلا منطقيا دقيقا مراعيا الترابط الوثيق بين اجزاء الرساله وفقراتها المختلفة.
خامسا شخصية الكاتب
من ملامح شخصية الكاتب من خلال النص حكيم - شجاع - يحب مهنته - واسع الثقافة - عفيف النفس - يعالج فنه الادبي في انارة و توددة شأنه شأن الاديب الذي يبذل جهدا كبيرا فيما يكتب ليخرج للناس صورة ملتقاه من الاديب الرائع.
سادسا لمحه ادبيه
النثر في العصر الاموي
كانت الجروب الكثيرة و الصراعات الحربية و السياسية دافعا لازدهار الادب في شعره و نثره و النثر الفني الادبي نال من التطور اكثر مما ناله الشعراء حيث بلغت الخطابة و الكتابه منزلة عظيمه جدا الخطابة زادت دواعيها و اشتدت الحاجه اليها بازدياد الفتن و الصراعات و الحروب و تعدد الاحزاب و توسع الفتوح وتاثر خطباء بني امية بالقران الكريم واستمدوا افكاره ومعانيه وصوره وضمنوا خطبهم بعض الحكم و الامثال و حرصوا علي اختيار الالفاظ و حسن تنسيق الجمل و مناسبتها للموقف الذي تقال فيه
الكتابه ظهرت في صدر الاسلام و ظلت تنمو وتتقدم حتى ارتقت و ارتفع شانها كثيرا في العصر الاموي وذلك لحاجة الدوله الاموية اليها لاتساع رقعتها وتعدد دواوينها.
وكان لكتاب ديوان الرسائل اياد لا تنكر في ازدهار الكتابة و خاصة عبد الحميد الكاتب وتألق الكتاب في كتاباتهم الديوانيه والاخوانية والدينية و تميزت الكتابة بجودة الصياغة والعناية باختيار الالفاظ وتجويدها والاقتباس من معاني القران وصوره وعباراته ومزجها بما استحسنوه من تشبيهات الشعر والحكم و الامثال كما غلب الطابع الاسلامي في افتتاح الكتاب لرسائلهم.
ليست هناك تعليقات:
موقع تعليمي يشكركم جميعا ويتمني للجميع التوفيق والنجاح &يمكنكم الانضمام الي الموقع من خلال رابط الانضمام & يمكنكم طلب شروحات واستفسار في اي وقت علي مدار اليوم